ج ١٠، ص : ١٤٣
المشرق الذي بين يديه، ولا يستجيب له منهم إلّا قليل من حاشية القوم، من عبيد وإماء، وصغار، وإلا بعض من أهل اللّين والتواضع، ممن لا يراهم القوم من أصحاب الجاه والسلطان فيهم! وهؤلاء الذين آمنوا من المستضعفين وأشباه المستضعفين، هم علة أخرى من العلل المريضة التي تدعو القوم إلى خلاف النبيّ، والوقوف في الجانب الآخر المعادى له.. « أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ » ؟ وهذا ضلال في التفكير، وسفاهة في الرأى.. فإن أول المستجيبين لأنبياء اللّه ورسله، كانوا دائما من عامة الناس، ممن لا يمسكهم الخوف على جاه أو سلطان أن يذهب به الدين الجديد.. وهكذا الشأن في دعوات الإصلاح والتجديد.. إن أكثر الناس حربا عليها، ووقوفا في وجهها، هم أصحاب المصالح من ذوى الرياسات المدنية أو الدينية.. على حين يكون أقرب الناس إليها، وأكثرهم استجابة لها هم من خلت أيديهم من كل سلطان مادّيّ، أو روحيّ! هكذا موقف النبيّ مع قومه، وهكذا كان موقف نوح مع قومه..
ولا يملك نوح إزاء هذا العناد الغاشم، إلا أن يرفع شكاته إلى ربّه، قائلا :« رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ».
. وإلا أن يسأله الحكم بينه وبينهم فى هذا الموقف، الذي بلغ الغاية من التأزم والحرج بينه وبينهم.. فهو إما أن يمسك عن الدعوة إلى اللّه، وإما أن يرجموه.. ولا ثالث غير هذين..
« فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ».
. أي فاحكم بينى وبينهم، فإن اللّه هو الحكم العدل، الذي يقضى بهلاك الظالمين، ونجاة المؤمنين.. ولهذا طلب نوح النجاة له، ولمن معه من المؤمنين، من هذا البلاء الذي يحمله حكم اللّه في القوم الكافرين.. وقد نجّى اللّه نوحا ومن معه، وأغرق الكافرين الضالين.