ج ١٠، ص : ٢٦٥
بعد النظر إلى هذه المعارض التي عرضتها الآية الكريمة لبعض قدرة اللّه، وآثار رحمته! وجواب أهل العناد والضلال، هو جواب كل معاند ضال.. وهو العمى عن الحق، والتشبث بالباطل.. ولهذا جاء قوله تعالى :« بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ » مسجلا عليهم هذا الضلال، آخذا من أفواههم جوابهم على هذا السؤال..
وهو أنهم قوم يعدلون عن الحق إلى الباطل، ويولون وجوههم إلى معبوداتهم التي يعكفون عليها..
قوله تعالى :« أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً.. أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ ؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ! » وهذه معادلة أخرى، يوازن فيها المشركون بين اللّه، وبين آلهتهم..
أيّ أحق بالألوهة، وأولى بالعبادة ؟. أآلهتكم تلك الخرساء الصماء، أم اللّه الذي جعل الأرض قرارا ؟ أي موضعا صالحا لحياة الإنسان، واستقراره عليها، « وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً » أي وأجرى بين شعاب الأرض أنهارا، تخلل أجزاءها، بحيث يأخذ كل جزء منها حظه من هذه الأنهار « وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ » أي جبالا راسية، تمسك بها أن تميد أو تضطرب.. « وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً » أي فصل بين ماء البحار، وماء الأنهار، حيث يلتقيان، فلا يطغى أحدهما على الآخر.. بل يبقى ماء الأنهار عذبا سائغا، ويظل ماء البحار ملحا أجاجا..
هذا هو صنع اللّه، وتلك آيات قدرته، وسوابغ رحمته.. فأين ما للآلهة التي تعبدونها، أيها المشركون الضالون ؟