ج ١٠، ص : ٣٤٧
وأما ما يقول فرعون عنه إنه لم يسمعه في آبائه الأولين، فهو دعوة موسى له، إلى الإيمان باللّه رب العالمين، الذي له ملك السموات والأرض.. فهذه الدعوة لم يسمعها فرعون من قبل، فقد كانت الآلهة تملأ أرض مصر، وتحوم فوق سمائها، من آدميين، وحيوانات وطيور، وكواكب، ونجوم!.. وهذا ما ملأ شعوره بأنه الإله المتفرد، فقال قولته الآثمة :« يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ».
قوله تعالى :« وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ».
قد يكون هذا القول الذي قاله موسى مقولا في مواجهة فرعون.. وقد يكون حديثا تحدّث به إلى نفسه، مواساة وتعزية، فى مواجهة هذا الاتهام الذي يرمى به فرعون بين يدى آيات اللّه التي يعرضها عليه..
فاللّه سبحانه ـ أعلم بمن جاء بالهدى.. موسى، أو فرعون ؟ ومن تكون له عاقبة الدار منهما.. فماداما على هذا الخلاف البعيد بينهما، فلا بد أن أحدهما محقّ والآخر مبطل، أحدهما مظلوم، والآخر ظالم..
فهذا أشبه بالمباهلة، وقد تحدّى بها النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه وفد نجران، وقد جاءوا يجادلونه في آيات اللّه، فقطع عليهم الطريق، حين دعاهم إلى المباهلة، كما في قوله تعالى :« فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ » (٦١ : آل عمران)..