ج ١٠، ص : ٣٧٠
فى هذه الآية إشارة إلى أن أهل هذا البلد الحرام، قد بطروا معيشتهم، وكفروا بأنعم اللّه، واستوجبوا العذاب والبلاء.. ولكن اللّه سبحانه وتعالى ـ رحمة بعباده، وإقامة للحجة عليهم ـ لم يشأ أن يأخذهم بذنوبهم قبل أن يعذر إليهم، وينذرهم على يد رسوله.. فما أهلك سبحانه وتعالى قرية من القرى إلا بعد أن بعث إليها رسولا مبشرا ومنذرا، كما يقول سبحانه :« وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ » (٢٠٨ : الشعراء).
وها هي ذى القرية، البلد الحرام، قد كفر أهلها باللّه، وها هو ذا رسول اللّه فيهم، قد جاء لينذرهم بين يدى عذاب شديد.. فإن هم استجابوا له، ورجعوا عما هم فيه نجوا، وسلموا من بأس اللّه في الدنيا، ومن عذابه في الآخرة، وإن أبوا إلا ضلالا وعنادا، فهم في الهالكين.. « لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ » (٤١ : المائدة).
والأمّ : الرأس من كل شىء.. وأم القرى رأسها، ومجتمع قراها..
وهي هنا مكة.. وفي هذا يقول اللّه تعالى :« وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها » (٩٢ : الأنعام).
قوله تعالى :« وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ ».
هو نذير من تلك النذر، التي ينذر بها القوم على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وذلك أن أكثر ما يصرفهم عن الدعوة الإسلامية، ويصمّ آذانهم عنها، هو خوفهم على ما في أيديهم من جاه وسلطان، وما يجلبه عليهم جاههم وسلطانهم من مال ومتاع.. فكان قوله تعالى :« وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ