ج ١٠، ص : ٨٨
إن خذلانهم على يد موسى، ليس هو الأمر الذي ينظر إليه فرعون الآن، ويحاسب السحرة عليه.. لأنه رأى بعينه، هذه القوى القاهرة التي بين يدى موسى، والتي لا قبل لبشر بمواجهتها.. ولكن الذي يعنيه من أمر السحرة فى هذا الموقف، هو خروجهم عن أمره، ومتابعة موسى من غير إذن منه ؟ إذ كيف يكون لهم وجود خاص، وكيف يكون لعقولهم ومشاعرهم سلطان عليهم مع سلطانه ؟ إنه يملكهم ويملك ووجودهم الخارجي والداخلى جميعا!! ـ « آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ؟ » إنها مؤامرة مدبرة، ومكر مبيت بينكم وبينه.. إنه الساحر الأكبر، الذي علمكم السحر.. وهكذا استجبتم له ولم تخرجوا عن سلطانه عليكم، شأن التلميذ مع أستاذه..
«إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ.. فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ » !! ولا ينتظر، حتى يعود إلى كرسيّ سلطانه، ويقدّمهم للمحاكمة.. بل إنه يقيم المحكمة في موقع الجريمة، وينفذ الحكم على أعين الجماهير التي شهدت الحادثة، حتى يكون فيها عبرة وعظة.. إنه يضرب والحديد ساخن كما يقولون..
« لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ! ».
وإذا وقع الإيمان في القلب موقعا صحيحا، وجاء إليه عن حجة قاطعة، وبرهان ساطع، لم تستطع قوى الأرض كلها مجتمعة أن تنتزع هذا الإيمان، أو تزحزحه من موضعه..
وبهذا الإيمان يلقى السحرة تهديد فرعون ووعيده في استخفاف، وغير مبالاة.. إن كل شىء هيّن، ماداموا قد حصلوا على الإيمان، وأنزلوه هذا المنزل المكين من قلوبهم..
« قالُوا لا ضَيْرَ ».
. أي لا ضيم، ولا خسران علينا، إذا ذهب من بين أيدينا كل شىء، ولو كانت حياتنا، وسلّم لنا إيماننا الذي أشرقت شمسه بين جوانحنا.