ج ١٠، ص : ٩٧
وبأنه منزل من السماء، من كلام ربّ العالمين! ثم يتمادون في هذا الضلال، فيقولون : إن هذا الخلط الذي وقع فيه التكرار، إنما هو أثر من آثار تلك الأحوال النفسية التي كانت تنتاب محمدا، فتخرج به عن وعيه، وتجىء الكلمات التي ينطق بها في تلك الحال، مردّدة مقطعة، كما يقع هذا للمحمومين والمصروعين، وأنه لا يكاد يبدأ القصة حتى ينصرف عنها، ثم يذكرها فيعود إليها، ثم ينصرف عنها.. وهكذا..
وإن الذين يقولون هذا القول، أو يحكونه عنهم، هم أعاجم أو أشباه أعاجم، لم يذوقوا البلاغة العربية، ولم يتصلوا بأسرارها.. ولو أنهم رزقوا شيئا من هذا لما اتسع لهم باب الخروج عن الحياء، لأن يقولوا هذا القول، وأن ينطقوا بهذا البهتان العظيم، ولردّهم أقلّ الحياء أن يقولوا قولا لم يقع في حساب « قريش » نفسها، وهي تتصيد التهم والمفتريات على القرآن الكريم، وحتى لقد بلغ بها الأمر في هذا، أنها لو وجدت زورا من القول لقالته فيه، ورمته به..
ولكن الزور نفسه أعياها أن تمسك به، فى وجه هذا الحق المشرق المبين.
فكان أكثر قول القوم فيه ما حكاه القرآن عنهم :« وقالوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ».
وقد ردّ عليهم القرآن هذا القول، فقال تعالى :« فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً ».
وإذا لم يكن لقريش أن تقول هذا القول، فى وجه عداوتها وحربها للنبيّ، وهي مرجع الفصاحة والبلاغة وموطنهما، فكيف يساغ هذا القول من أعاجم وتلاميذ أعاجم ؟ إن ذلك لهو الضلال البعيد.
وندع الردّ على هذه المفتريات، ويكفى أن نعرض وجوها من هذا التكرار، لنرى ما يطالعنا من بعض أسراره، التي هي وجه من وجوه إعجازه، وفيها الرد أبلغ الردّ على هذا الضلال المبين.


الصفحة التالية
Icon