ج ١١، ص : ٥١٦
إلى ربكم، واتقوه، وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين »..
فقوله تعالى :« مُنِيبِينَ إِلَيْهِ.. » هو في تقدير أنيبوا إلى اللّه، ولذا عطف عليه فعل الأمر :« وَاتَّقُوهُ »..
هذا، وإذا كانت قواعد النحو لا تتسع لهذا التحريج، فإن أسلوب القرآن لا تحكمه قوالب النحو، على ما انتهى إليه اجتهاد المجتهدين في ضبط قواعده..!
وإذا كان لا بد من احترام هذه القواعد، فإن في مجال التخريج متسعا، لقبول كل شارد ووارد.. وبهذا فإن لنا أن نقول : إن « مُنِيبِينَ إِلَيْهِ » منصوب بفعل محذوف تقديره : كونوا « منيبين إليه » أو نحو هذا..
وقوله تعالى :« وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ »..
معطوف على « منيبين » الذي هو في قوة فعل الأمر، أو على فعل أمر مقدر..
والإنابة إلى اللّه، هى الرجوع إليه، وذلك بتصحيح الفطرة، ومعالجة كل ما عرض لها من آفات، ولهذا جاء بعد ذلك، الأمر بتقوى اللّه، وإقامة الصلاة حيث يلتقى هذا الأمر مع فطرة سليمة، أناب أصحابها إلى اللّه، ورجعوا إليه، بعد أن بعدت بهم الطريق عنه.
وقدّم الأمر بالتقوى على إقامة الصلاة، لان التقوى، وهى خوف اللّه وخشيته، هى التي تجعل للصلاة ثمرتها.. فالصلاة، وأية عبادة من العبادات، أو قربة من القربات، لا محصّل لها إلا إذا كانت عن إيمان باللّه، ومعرفة به، وولاء وخشوع لجلاله وعظمته، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ » وقوله سبحانه :« قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ».