ج ١١، ص : ٥٨٣
غنى مطلقا، وهو « الحميد » المستحق للحمد، حمدا مطلقا، لكل ما كان منه في خلقه، من تقدير وتدبير..
وقوله تعالى :« وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ.. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ».
ومما يكشف عن غنى اللّه الغنى المطلق، واستحقاقه الحمد، حمدا مطلقا، هو سعة ملكه الذي لا حدود له، وما للّه من تصريف في هذا الملك، كيف شاءت إرادته.. لا معقب لحكمه.
فلو تصور متصور أن كل ما في الأرض من شجر كان أقلاما، وأن كل مياه البحار قد أصبحت مدادا.. ثم أخذت هذه الأقلام تستملى من هذا المداد، وتكتب ـ من غير توقف ـ ما تتلقّى من كلمات اللّه ـ لما نفدت كلمات اللّه! وكلمات اللّه، هى مقدراته التي يقوم بها الوجود، وينشأ عنها كل موجود.
فبالكلمة، خلق اللّه كل شىء.. « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (٨٢ : يس).
ـ وفي قوله تعالى :« مِنْ شَجَرَةٍ » ـ إشارة إلى استغراق كل ما في الأرض، شجرة شجرة، من كل جنس، وكل صنف من أصناف الشجر..
ولو جاء النظم القرآنى « من شجر » بالجمع بدلا « من شجرة » بالإفراد، لما دلّ على هذا الاستغراق، الذي يشمل كل شجرة في الأرض ولكان فيه متأول يتناول بعض الشجر دون بعض، أو الشجر الذي تستعمل منه الأقلام دون غيره مثلا..
وفي التعبير بكلمات اللّه ـ وهو جمع قلّة ـ بدلا من « كلام » الذي هو جمع


الصفحة التالية
Icon