ج ١١، ص : ٥٨٧
ـ وفي قوله تعالى :« إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ».
إشارة إلى شمول سمع اللّه لكل شىء، وإحاطة بصره بكل شىء، يستوى في هذا خفيض الأصوات وجهيرها، وقريب الأشياء وبعيدها.. وأقرب مثل لهذا ـ وللّه المثل الأعلى ـ السمع والبصر، فى كيان الإنسان.. فالسمع السليم، يستقبل ويسمع جميع الأصوات الواقعة تحت دائرة حسه، لا فرق في ذلك بين كلام الإنسان، وأصوات الحيوان، وحفيف الأشجار، وهدير الرعد، وخرير الماء.. وكذلك البصر السليم، يرى كل المرئيات التي تقع في دائرته، سواء في ذلك الجميل والقبيح، والأبيض والأسود، والمتحرك والثابت.
فإذا كان سمع الإنسان وبصره، يتّسعان لأكثر من شىء في وقت واحد، أفلا يكون في قدرة اللّه أن يسمع كل شىء، ويبصر كل شى ء ؟ وإذا كان الإنسان قد استطاع أن يتخذ من الوسائل ما يرى بوساطتها الأشياء البعيدة التي لم تكن تراها عينه، ويسمع الأصوات الخفية التي لم تكن تسمعها أذنه ـ أفلا يكون ذلك مما تطوله القدرة الإلهية وتعمل به ؟ وإذا كان الإنسان قد استطاع أن ينقل الأصوات والمرئيات، لسمعه وبصره، من أطراف الأرض كلها في لحظة، أفلا تستطيع القدرة القادرة أن تفعل الكثير الذي لا حدود له في هذا المقام ؟
وإذا كان بين العلماء الذين يملكون هذه الوسائل، وبين من يعيشون في حدود حواسهم الطبيعية ـ هذا المدى البعيد في مدركات السمع والبصر ـ أفلا يكون بين اللّه سبحانه وتعالى وبين خلقه، ما لا نهاية له من فروق ؟ وإذن فما الفرق بين الخالق وما خلق ؟ « أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ؟ » (١٧ : النحل).