ج ١١، ص : ٥٩٠
«أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ... » وكأنه تعقيب عليه.. وذلك أن الذي ينظر متأملا في نظام الوجود، وفي قدرة اللّه الممسكة به، لا بد أن يؤدّيه هذا النظر المتأمل، إلى إدراك هذه الحقيقة، وهو أن اللّه عليم بكل ما نعمل، فلا تخفى عليه خافية من أعمالنا، دقيقها وعظيمها، خيرها وشرّها.. إنه علم العليم الخبير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور..
قوله تعالى :« ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ».
الإشارة هنا، إلى ما عرضته الآيات من مظاهر قدرة للّه، وسعة علمه..
والجار والمجرور في قوله تعالى :« بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ » متعلق بمحذوف، يدل عليه السياق وتقديره : يقضى، أو يقطع. ونحو هذا.. أي أن ذلك الذي يراه الراءون في هذا الوجود من آيات القدرة، ومظاهر العلم ـ يقضى، ويقطع بأن اللّه هو الحق، أي الإله الحق، الذي يتفرد بالألوهة، من غير شريك، كما يقضى بأن تلك الآلهة التي يعبدها المشركون من دون اللّه، هى الباطل كله، لا شىء من حق فيه أبدا.. وذلك من شأنه أن يقضى ويقطع بأن اللّه هو « العلىّ »، المنفرد بالعلوّ والسلطان، « الكبير » الذي له الكبرياء وحده، وأن مادونه دون ضئيل، لا وزن له، ولا قدر!.
قوله تعالى :« أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ».