ج ١١، ص : ٦٣٦
المسلمين أعداد لا تحصى من كتاب اللّه.. حتى ليكاد يكون لكل مسلم قرآن يقرؤه على الترتيب الذي يراه..
وانظر، ماذا يكون وراء هذا من بلاء، وفتنة! فمثلا إذا قرأ قارئ آية، ثم أتبعها أخرى، وجد مئات، وألوفا من الخلاف عليه، هذا يقول : إن الآية التالية هى كذا، وذاك يقول إنها هكذا.
وثالث، ورابع.. إلى مئات المقولات وألوفها.. وحسب المسلمين من هذا فرقة وشتاتا..! مع أن هذا أقل ما يرد عليهم من شرور هذه الفتنة، إذا كان هذا الخلاف في غير آيات الأحكام.. أما إذا وقع ذلك في آيات الأحكام، وهو واقع لا محالة، فهيهات أن تقوم للمسلمين شريعة، أو ينتظم لهم له رأى في حكم من أحكام دينهم..
وخذ مثلا لهذا، الآيات الواردة في الخمر، أو الربا، والتي روعى في نزولها أخذ المسلمين بالرفق والحكمة، فى تحريم هذين المنكرين.. فجاء الحكم في تحريمهما متدرجا، من التنزه والتعفف، إلى الكراهية، ثم إلى التحريم..
إن لقائل أن يقول : إن آيات الخمر نزلت على هذا الترتيب :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ.. وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ