ج ١١، ص : ٧٧٣
التفسير :
قوله تعالى :« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ » الحمد للّه من اللّه سبحانه، هو حمد لذاته من ذاته.. فهو سبحانه المستحق للحمد، وإن لم ينطق بذلك لسان.. فالوجود كلّه مسبح بحمده سبحانه، إذ كان الوجود ـ فى ذاته ـ نعمة، على أية صورة كان عليها الوجود، وعلى أي وضع قام عليه.. فهو خروج من عدم.. والعدم سلب، والوجود وجوب..
الوجود شىء، والعدم لا شىء.. والوجود صفة من صفات اللّه، به تتحقق ذاتية الذات، وتتحدد ماهيته.. ومن هنا كان.. الحمد للّه، تسبيح كل موجود وصلاة كل مخلوق :« وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ » (٤٤ : الإسراء) وفي قوله تعالى :« وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ » إشارة إلى ما استوجب اللّه سبحانه وتعالى من حمد فوق حمد الوجود، وهو حمد البعث، بعد الموت، الذي هو أشبه بوجود جديد للإنسان، وإمساك به من الذهاب إلى العدم الذي كان وشيكا أن ينتهى إليه بعد الموت.
ـ وفي قوله تعالى :« وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ » إشارتان.. إشارة إلى أن اللّه سبحانه وتعالى، الذي ملك هذا الوجود بسلطانه المطلق، لم يكن في هذا السلطان المطلق جور، أو استبداد، لأنه سلطان في يد الحكيم الذي أحسن كل شىء خلقه، وأقامه في المقام المناسب له.. والإشارة الأخرى إلى سوء ظن الكافرين والمشركين، وأهل الضلال، باللّه سبحانه وتعالى، وقصور إدراكهم لما للّه