ج ١١، ص : ٧٨٦
والرأى عندنا ـ واللّه أعلم ـ أن إلانة الحديد لداود، إنما كانت جارية على سنن الحياة، وأن اللّه سبحانه قد علّمه الأسلوب الذي يلين به الحديد، وهو عرضه على النار، والنفخ فى النار حتى يحمّر، ويقبل الطرق..
وذلك ما لم يكن معروفا للناس فى ذلك الزمن.. ولهذا كان داود أول من صنع من الحديد دروعا، كما يقول سبحانه وتعالى :« وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ » (٨٠ : الأنبياء).. وبهذا يكون داود عليه السلام، أول من طرق الحديد، متوسلا إلى ذلك بما علمه اللّه، من عرض الحديد على النار، حتى يلين، ويقبل الطرق..
وقوله تعالى :« أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ » أي وأوحينا إليه أن عمل دروعا سابغات..
وقوله تعالى :« وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ » أي أحكم السرد، واضبطه.. وهذا توجيه من اللّه سبحانه وتعالى بإتقان العمل، وإحسانه، وضبطه على أحسن وجه له..
وقوله تعالى :« وَاعْمَلُوا صالِحاً ».
. هو معطوف على قوله تعالى :« وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ » أي أحسن الصنعة وأحكمها.. وأحسنوا أيها الناس جميعا كلّ عمل تعملونه، وأخرجوه على الوجه المرضىّ.. فإن إحسان العمل مما يحسب فى الصالحات للإنسان.. فليس الإحسان فى العمل مطلوبا من الأنبياء وحدهم، وإنما هو مطلوب من كل إنسان.. « وَأَحْسِنُوا.. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » وقوله تعالى :« إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » ـ إشارة إلى أن اللّه سبحانه وتعالى مطلع على عمل كل عامل، وأنه سبحانه بصير بما يعمل العاملون، يكشف ما فى العمل من عيب أو عوج..