ج ١١، ص : ٨٦٧
فهو سبحانه الذي أوجدكم، وهو سبحانه الذي يحفظ عليكم وجودكم، كما يحفظ وجود الموجودات كلها :« إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ » (٤١ : فاطر) وفى الآيتين تهديد للناس، إذا هم لم يؤمنوا باللّه، ويحمدوا له ما هم فيه من فضله وإحسانه.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ » (٥٦ ـ ٥٨ الذاريات).. فإذا لم يؤدّ الناس واجب الشكر للّه، ولم يقوموا على الوظيفة التي خلقهم اللّه لها، لم يكونوا أهلا ليشغلوا هذا المكان، وكان أولى أن يشغله غيرهم، ممن يعرف لهذا المكان قدره، ويؤدى المطلوب منه فيه.. وفى هذا يقول اللّه تعالى :« وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » (٣٨ : محمد) « وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ » أي ليس عسيرا على اللّه أن يستبدل خلقا بخلق، وعالما بعالم، وكيف وهو الخالق لكل شى ء ؟
قوله تعالى :« وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ.. وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ » جاءت هذه الآية تعقيبا على الآيتين السابقتين اللتين حملتا تهديدا للناس بإفنائهم جميعا، إذا هم لم يوفوا حق اللّه عليهم، من إيمان به وشكر له..
وفى هذه الآية تفرقة بين الناس، الذين وضعتهم الآيتان السابقتان وضعا واحدا فى مقام التهديد..
فالناس، وإن كانوا مجتمعا واحدا، هم أشبه بالجسد الواحد، يتأثر، ويشقى