ج ١١، ص : ٨٦٩
جلاله وبأسه، من غير أن يراه، وإنما يرى آثاره ويشهد جلال قدرته، وعلمه، وحكمته فيما أبدع وصور فى هذا الوجود.. وهذه الخشية إنما تكون عن استعداد فطرى، يقبل التعامل مع العالم غير المحسوس، عالم الغيب.. فهناك كثير من الطبائع قد تأثرت بالعالم المادي، وتشكلت ملكاتها على قوالبه، فلا تقبل التعامل إلا مع الماديات.. أما ما وراء المادة فإنها ترفض التسليم به، وتأبى التعامل معه.
وفى قصر الإنذار على الذين يخشون ربهم بالغيب، مع أن الرسول نذير وبشير للناس جميعا ـ فى هذا إشارة إلى أن الذين ينتفعون بهذا النذير، هم الناس، وهم أهل للخطاب، وأما غيرهم، فلا حساب لهم ولا وزن فى هذا المقام..
ـ قوله تعالى :« وَأَقامُوا الصَّلاةَ » معطوف على قوله تعالى :« الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ » وكان النظم يقضى بالتوافق فى وحدة الزمن بين الفعلين المتعاطفين، فيكونان مضارعين أو ماضيين، .. ولكن جاء الحديث عن الخشية بالفعل المضارع، الذي يحمل زمنا متجددا، على حين جاء الحديث عن إقامة الصلاة بالفعل الماضي، الذي يقطع الفعل عن المستقبل، وهذا لا يكون فى القرآن الكريم إلا عن حكمة، وتقدير..
والذي يبدو لنا من هذا ـ واللّه أعلم ـ أن الخشية للّه بالغيب، لا تكون إلا عن طبيعة تتقبل التعامل بما وراء المادة، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، أما الطبيعة التي تلبست بها المادة، وسيطرت عليها، فلا يكون منها نظر إلى ما وراء المادة، ولا تقع منها خشية للّه، لأنها لا ترى اللّه، ولا تشهد جلاله، وسلطانه.. فالإنذار لا يفيد، ولا يؤثر، إلا إذا صادف طبيعة من شأنها أن تتقبل الإيمان بما وراء المادة، وعن هذه الطبيعة تصدر الخشية من اللّه، فى كل حال، وفى كل موقف يقفه صاحب هذه الطبيعة، فيشهد فى أي حال