ج ١١، ص : ٨٧٣
أولا : أنالظل هو نعمة، فى مقابلة الحرور، وكذلك الحياة نعمة، فى مقابلة الموت..
فقدمت هنا نعمتان، على حين قدمت قبلهما آفتان، هما العمى والظلمات..
وفى هذا التوزيع توازن لألوان الصورة، حيث جاءت هكذا :
آفتان تقابلان نعمتين.. العمى والبصر، والظلام والنور..
ونعمتان تقابلان آفتين.. الظل والحرور، والحياة والموت.
وثانيا : أن الأصل فى نفى الاستواء ـ وهو التوازن بين الشيئين ـ أن يقع أولا على الناقص منهما، فيقدّم المفضول على الفاضل، كما فى قوله تعالى :« لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ »..
(٢٩ : الحشر) وقوله سبحانه :« لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ـ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ـ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ».
. (٩٥ : النساء) هذا هو الاستعمال فى أصل اللغة، فإذا خرج الاستعمال عن هذا الأصل، كان ذلك لغاية يراد لها.. كما فى قوله تعالى :« قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » (٩ : الزمر) وذلك حين لا يكون المراد هو تقرير حكم فى المفاضلة بين أمرين، وإنما المراد هو الإلفات إلى أن الأمور ليست على وجه واحد، وإنما لكل أمر وجهان.. وجه، وضدّ لهذا الوجه.
مثل الوجود والعدم، والحق والباطل، والإيمان والكفر، والنور والظلام، والظل والحر، والعذب والملح.. وهكذا.. والمطلوب من الخصم أن يعترف به هنا، هو أن الشيء الذي يمسك به، ليس هو كل الشيء، وإنما يقابله نقيضه، الذي يجب أن ينظر فيه، ويقابل الوجه الذي معه، على الوجه الآخر، الذي لهذا الشيء..
فإذا كان المشركون يمسكون بالشرك، ولا يرون أن هناك معتقدا غيره ـ