ج ١١، ص : ٨٨٦
والذين أورثهم اللّه هذا الكتاب هم المؤمنون به، فى كل زمن، ومن كل أمة.. فهم الوارثون لهذا الكتاب، المنتفعون بما فيه من خير، انتفاع الوارث بما يرث.. والآية الكريمة تنويه بهذه الأمة الإسلامية، ورفع لقدرها، وحسبها أن تكون المصطفاة من عباد اللّه، لتلقّى هذا الكتاب، وجعله ميراثا دائما، يأخذه الأبناء عن الآباء إلى يوم الدين..
ففى العطف بحرف « ثم » إشارة إلى أن ما أوحى إلى النبي حتى نزول هذه الآية، لم يكن إلا بعضا من الكتاب.. وأن ميراث المسلمين لهذا الكتاب لم يأت بعد، لأن الكتاب لم يتم نزوله، وسيتم ذلك بعد بضع سنوات. ولهذا جاء العطف بثم ليفيد هذا التراخي فى الزمن، بين نزول هذه الآية وبين تمام نزول القرآن :
ـ وفى قوله تعالى :« أَوْرَثْنَا » ـ إشارة أخرى إلى أن هذا الكتاب، هو ميراث المسلمين على مرّ الأزمان، وأنه لهم خالصة من دون الناس، إذ كانوا هم الذين ينتفعون به، ويجنون الثمر الطيب منه.. وسمّى القرآن ميراثا، لأنه فضل من فضل اللّه سبحانه وتعالى، لم يحصله المسلمون بكدّهم وسعيهم، وإنما وضعه اللّه بين أيديهم، إحسانا وفضلا.
ـ وفى قوله تعالى :« اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » إشارة ثالثة إلى أن هؤلاء المسلمين الذين ورثوا هذا الكتاب، هم المصطفون من عباد اللّه جميعا، لأنهم هم المؤمنون.
وهذا يعنى أن الذين لا يؤمنون بهذا الكتاب، ليسوا على الإيمان، . بل هم كافرون، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :« وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ » وهذا يعنى من جبهة رابعة أن المسلمين جميعا هم الفريق المصطفى والمتخير من فريقى الناس.. إذ الناس فى الدنيا فريقان :
مؤمن، وكافر، كما يقول اللّه تعالى :« هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » (٢ : التغابن).. وهم فى الآخرة فريقان كذلك. كما يقول اللّه تعالى