ج ١١، ص : ٩١٠
فيه غير الضلال والظلام.. فيمينهم وشمالهم مغلق عليهم أبدا بحكم هذا الطوق الذي طوقوا به.. وأمامهم وخلفهم.. مسدودان.. فإذا أداروا وجوههم إلى أي اتجاه، لم يتغير حالهم، ولم يرتفع عنهم سد من هذه السدود المضروبة عليهم، حيث يلازمهم هذان السدان المضروبان عليهم من أمام ومن خلف.. فعلى أي اتجاه يكونون، يكون السدان من خلفهم ومن أمامهم.. أما عن أيمانهم وعن شمائلهم، فالطوق قائم بوظيفته فيهم فى كل حال..
وهذه الصورة إعجاز من إعجاز القرآن، فى تجسيد المعاني، وفى بعث الحياة، والحركة فى الجمادات والساكنات.. حيث نرى الكافر هنا وقد أدخل فى سجن محكم، مطبق عليه، لا يرى منه النور أبدا.
ـ وفى قوله تعالى :« فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ » إشارة إلى ما يقع لهؤلاء المشركين من هذه الآيات التي سلطها اللّه عليهم، من الأغلال والسدود، فلقد أقامت هذه الآفات غشاوة على عيونهم، فهم لا يبصرون.. وكيف يبصر من عاش فى هذه الحدود التي لا تتجاوز محيط جسده ؟ وما ذا يبصر لو كان له أن يبصر ؟.
قوله تعالى :« وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » وهذا ما يقضى به الوضع الذي عليه هؤلاء المشركون.. إنهم لن يتحولوا عن حالهم التي هم فيها، فلقد جمدوا على حالتهم تلك، كما تحنط الموتى فى توابيتها « وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ » (١٠١ يونس).. وإذا فلا يقف النبي كثيرا عن هؤلاء المشركين الذين وقفوا من الدعوة هذا الموقف المحادّ لها، المتربص بها..
قوله تعالى :« إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ » أي إنما تنفع النذر، والعظات، من استمع إلى آيات اللّه، فاتبعها، وآمن