ج ١٢، ص : ١٠٤٩
«كم » هنا خبرية، تفيد التكثير.. أي ما أكثر ما أهلكنا قبل هؤلاء الكافرين الذي لبسوا هذه العزة الزائفة ـ ما أكثر ما أهلكنا قبلهم من أمم ظالمة، كانت أكثر منهم قوة، وأعز سلطانا، فلما جاءهم بأسنا نادوا مستغيثين، فلم يغاثوا، إذ كان قد فات أوان الغوث :« وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ».
و« لات » أداة تفيد النفي، بمعنى « لا » والتاء زائدة، لتأكيد النفي وتقويته..
و« المناص » المفرّ، والملجأ.. ومنه الناصية، وهى الرأس من كل شىء.
وناصية الجبل أعلاه الذي يعتصم به.
قوله تعالى :« وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ ».
أي أن هؤلاء المشركين، قد عجبوا أن جاءهم رسول بشر منهم، وقال الكافرون عن هذا الرسول، « هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ » فرموه بالسحر، واتهموه بالكذب! وفى قوله تعالى :« وَعَجِبُوا » إسناد للعجب إليهم جميعا.. فهذا العجب هو الذي استقبل به المشركون بعثة الرسول فيهم.. ثم كانوا فريقين : فريقا لم يتلبث كثيرا فى عجبه من هذا الرسول البشر.. فما هى إلا وقفة ـ طالت أو قصرت ـ ثم رجع إلى عقله، وثاب إلى رشده فآمن باللّه.. وفريقا ظل على عجبه هذا، فتولد منه الإنكار والكفر، وعلى حين قال المؤمنون : آمنا باللّه، ورسول اللّه، قال الكافرون : هذا ساحر كذاب..
قوله تعالى :« أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ؟ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ »..
هو من مقولة المشركين، الذين قالوا هذا القول المنكر فى النبي :« ساحِرٌ كَذَّابٌ ».