ج ١٢، ص : ١٠٦٨
لو ضاع منه هذا القليل، ليوضع فى موضعه الذي ينتظره عند صاحب الكثير ؟
هكذا قدّر صاحب الكثير، وهكذا أمضى حكمه فى صاحبه!.
والظلم واضح صريح فى هذه القضية.. ولهذا بادر داود ببيان وجه الحق فيها، على حسب ما سمع من المدعى : فقال ـ معلقا على دعواه :
«لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ » ! إن الأمر ـ فيما يبدو ـ ظلم صارخ، وعدوان مبين.!
ولم يلتفت داود إلى الظالم، ولم يواجهه بالحكم الذي يقتضيه الموقف، بل عاش لحظاته تلك، مع هذا المظلوم، يواسيه، ويخفف عنه مرارة الظلم الذي تجرعه من يد أخيه.. فيقول له :« وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ.. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ».
. فلست أنت يا صاحبى أول من ظلم من معاشريه ومخالطيه.. فما أكثر بغى الخلطاء بعضهم على بعض، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هؤلاء الخلطاء.. وقليل هم أولئك الذين لا يظلمون!.
وهنا يبحث داود عن هؤلاء القليل فى الناس، ويتفرس فى وجوههم، ثم يلتفت إلى نفسه، وهل هو واحد من هؤلاء القليل ؟ وهنا يطلع عليه من صفحة أعماله ما يراه غير قائم على ميزان العدل.. وسرعان ما يرى نفسه طرفا فى هذه القضية التي بين يديه، وأنه يأخذ موقف المدعى عليه فيها، وأن هذا المدعى إنما يقيم دعواه عليه هو، لا على هذا الشخص الذي جاء به إليه.. إن هذا الشخص ما هو إلا المرآة التي يرى فيها داود نفسه!.
ومن إعجاز القرآن فى هذا، أنه لم يضع هذا المدعى عليه موضع اتهام،