ج ١٢، ص : ١٠٩٦
وفى إسناد المسّ إلى الشيطان، إشارة إلى أن هذا الّذى نزل بأيوب، هو من الأسباب المباشرة، التي تجىء من النفس الأمارة بالسوء، ومثل هذا ما كان من موسى عليه السلام، حين قتل المصري فقال :« هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ».
قوله تعالى :« ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ».
وهذا جواب الحق سبحانه وتعالى على ما سأله أيوب، ولم يفصل بين السؤال والجواب فاصل، للإشارة إلى أن الإجابة كانت متصلة بالسؤال والطلب، من غير تراخ.. فما هو إلا أن سأل، حتى وجد ما طلب حاضرا..
وهذا يشير إلى أن أيوب صبر زمنا طويلا لا يشكو، فلما شكا، أزال اللّه سبحانه شكاته..
والركض : الجري، والمراد به الضرب بالرجل على الأرض بقوّة، حيث أن الرّجل تخدّ الأرض وتضربها أثناء الجري..
وقد ضرب أيوب برجله الأرض، كما أمره ربّه، فتفجر نبع من الماء! وماذا يعمل أيوب بهذا الماء ؟ هكذا وقف عليه متسائلا.. فكشف له ربّه عمّا وراء هذا الماء، فقال له :« هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ».
. إنه ماء عذب، بارد سائغ للشاربين.. فاغتسل به، واشرب منه.
قوله تعالى :« وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ ».
أي وهبنا له أهله، الذين كانوا قد نفروا منه، وتخلّوا عنه أثناء محنته، فلما لبس ثوب العافية، وخرج من ضباب المحة، عاد إليه أهله، وعاد إليه الغرباء، فكانوا له مثل أهله، تقرّبا إليه، وتودّدا له، إذ أفاض اللّه سبحانه