ج ١٢، ص : ١١٢٣
وعلى هذا يكون قوله تعالى :« وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ » دعوة للمؤمنين ـ وكلهم عباد اللّه ـ أن يكونوا بالمكان الذي يرضاه اللّه لهم، ويقبله منهم، وأن ينأوا عما لا يرضاه اللّه لهم، فإنهم عباده! وثانيا : قوله تعالى :« وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ».
ما المراد بالشكر هنا ؟ وهل هو الإيمان المقابل للكفر ؟ أم هو أمر آخر وراء الإيمان ؟
الشكر هنا ـ واللّه أعلم ـ هو أمر مترتب على الإيمان.. وهو مطلوب من المؤمنين الذين هداهم اللّه إلى الإيمان، ويسر لهم سبله.. فكانوا فى المؤمنين، ويجب بعد هذا أن يكونوا من الشاكرين، أن هداهم اللّه إلى الإيمان..
وثالثا : ما ذا عن الذين كفروا ؟ أرضى اللّه لهم الكفر، وذلك بمفهوم المخالفة لقوله تعالى :« وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ » ـ على أن المراد بعباده هم المؤمنون خاصة ؟
الجواب ـ واللّه أعلم ـ أن كفر الكافرين وإن كان إرادة للّه سبحانه فيهم، ومشيئة له غالبة عليهم ـ فإنه مطلوب منهم أن يعملوا إرادتهم، ويحركوا مشيئتهم إلى الإيمان، لأنهم لا يدرون ما إرادة اللّه فيهم ولا مشيئته بهم.. وتلك هى الحجة القائمة عليهم.
أما أن مشيئة اللّه هى النافذة، وإرادته هى الغالبة، فهذا أمر لم يمنع العقلاء من أن يعملوا فى كل ميدان من ميادين العمل.. ثم هم صائرون حتما إلى مشيئة اللّه وقدره « لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » (٢٣ : الأنبياء).
وهذا هو موضوع قد عرضنا له أكثر من موضع من هذا التفسير، وأفردناه ببحث خاص، تحت عنوان « القضاء والقدر « ١ » ».
_________
(١) الكتاب الثامن ص ٦٧٢ وما بعدها.