ج ١٢، ص : ١١٤٠
إن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن.. فمن كان على غير الإيمان، وطلب الجنة فقد غبن نفسه، وأضلّها وغرّر بها.. فليطلب المرء رضوان اللّه من بابه، وهو الإيمان.. ثم يدع ما وراء ذلك، فإن كان ممن أراد اللّه لهم الهدى والرشاد، أذن له بالدخول، ووفّقه للعمل الصالح، وإن كان ممن أراد اللّه له الضلال والشقاء، حجبه عنه، وحلّى بينه وبين ما هو فيه من ضلال!..
إن المرء لا يحاسب على إرادة اللّه فيه، وإنما يحاسب على إرادته هو لنفسه، على ما تجرى عليه أموره فى الدنيا.. فهو إن سرق أخذ بجريرة السرقة، وإن قتل أخذ بمن قتل.. وهكذا.. إن العقل يقضى بأن يسأل الإنسان نفسه إزاء كل أمر يعرض له : ماذا أريد، لا ماذا يريد اللّه بي، أولى ؟ لأنه يعرف يقينا ما ذا يريد هو، ولا يعرف قطعا ماذا يريد اللّه به، أوله..
وفى وصف الغرف بأنها مبنية ـ إشارة إلى أنها ثابتة، تطيب فيها الحياة بالسكن والاستقرار. وأنها ليست خياما مضروبة، لا يستقر المقيم فيها إلا ريثما يتحول بها إلى أماكن أخرى..
ونعود مرة، بعد مرة، لنقرر أن هذه الصور التي لنعيم الجنة، مما هو من حياة البادية ومطالب النفس فيها ـ هذه الصور، هى مما يشتهيه أهل الجنة الذين حرموا منه فى دنياهم، وقصرت أيديهم عن تناوله، فهى بالنسبة للمحرومين منها نعيم عظيم، لا يكمل نعيمهم إلا بتحقيقه، وإن كان لا يعدّ شيئا إلى ما فى الجنة من ألوان النعيم.