ج ١٢، ص : ١١٨٠
إنهم الذين أسرفوا على أنفسهم، وجاروا عليها بهذه الأوزار التي حمّلوها إياها.. فيالطف اللّه، ويا لسعة كرمه.. وعظيم مننه، وجليل إحسانه!! وقوله تعالى :« لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ » هو اليد البرة الرحيمة الحانية التي يربت اللّه بها على هؤلاء المذنبين العصاة، بمجرد أن يلتفتوا إلى هذا النداء الرحيم اللطيف :« لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ».
. إنها قريبة منكم، دانية لأيديكم.. فهيا أقبلوا عليها، واستظلوا بظلها، واقطفوا ما تشاءون من ثمرها..
وفى قوله تعالى :« إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ».
. شحنة من النور تضىء ظلام هذه النفوس التي تنظر إلى اللّه سبحانه وتعالى من خلال هذا الضباب المنعقد من اليأس حولها، وهى تذكر بشاعة جرائمها، وشناعة آثامها، وتحسب ـ جهلا وضلالا ـ أن ذنوبها أكثر من أن تغفر، وأن جرائمها أكبر من أن يتجاوز لها عنها.. وكلّا.. فإن ذلك ظن سيىء باللّه :
«إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً » مهما تكن بشاعتها وشناعتها.. « إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » فما أعظم مغفرته، وما أوسع رحمته.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » (١٥٦ : الأعراف)!! فأى عذر لمذنب بعد هذا البلاغ المبين، إذا هو لم يسع إلى اللّه، ويغتسل فى بحر رحمته، من أدرانه، ويتطهر من ذنوبه ؟
وأي عذر لمجرم بعد هذا النداء الكريم الرحيم، إذا هو لم يمدّ يده إلى ربّه، ليقيل عثرته، ويحمل عنه وزره ؟
« يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ..