ج ١٢، ص : ١٢٣٨
قوله تعالى :« وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ؟ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ » مناظرة بين موقف وموقف، ودعوة دعوة.. موقف الرجل المؤمن من قومه، وموقفهم منه..
إنه يدعوهم إلى الخلاص والنجاة من نقمة اللّه فى الدنيا، وعذابه فى الآخرة..
وهم يدعونه إلى نقمة اللّه فى الدنيا، وإلى عذاب النار فى الآخرة.. إنهم يدعونه ليكفر باللّه الواحد الأحد، وأن يعبد مع اللّه آلهة أخرى لا يعلم لها حقيقة يطمئن إليها عقله، ويستسيغها منطقة.. وهو يدعوهم إلى إله يقوم على هذا الوجود، ويمسك كل ذرة منه، حفظا وعلما.. فهو سبحانه ـ « العزيز » الذي تذل لعزته الجبابرة.. « الغفار » الذي يغفر ذنوب المسيئين، ويقبل توبتهم، إذا هم رجعوا إليه، ووجهوا وجههم له..
فهل تستوى دعوة ودعوة ؟ وهل يستوى الضلال والهدى ؟
وقد جاء النظم القرآنى على غير النسق الذي يقتضيه النظم الكلامى، فى تقديرنا.. إذ بدأ الرجل المؤمن بما يدعوهم إليه :« أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ »
وكان مقتضى النظم الكلامى أن يقول بعد هذا : وأدعوكم إلى العزيز الغفار، وتدعوننى لأكفر باللّه وأشرك به ما ليس لى به علم.. ولكن جاء النظم القرآنى على تلك الصورة المعجزة، التي جمعت بين دعوتيهم فى نسق واحد هكذا :« تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ.. تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ » ثم كان من هذه الصورة المعجزة من النظم ـ أن بدئت وختمت بالدعوة التي يدعو بها المؤمن إلى الإيمان.. هكذا :
« أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ.. وأنا أدعوكم إلى العزيز « الغفار ».
. ثم كان