ج ١٢، ص : ١٢٥٣
أنفسهم ـ أصحاب قوة وبأس، فإن قوتهم وبأسهم لا يغنيان عنهم من اللّه شيئا، ولا يردّان عنهم بأسه إذا جاءهم.. فأين هم من الناس ؟ وأين الناس من السموات والأرض ؟ إن كل ذلك من خلق اللّه، وفى قبضة اللّه.. فهل من خلق هذا الوجود، وقام بسلطانه عليه، يعجزه قهر هؤلاء المتكبرين، وإذلالهم والتنكيل بهم ؟
وفى قوله تعالى :« وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » ـ إشارة إلى جهل هؤلاء المشركين، وغيرهم من الضالين، بقدرة اللّه وسلطانه القائم على كل شىء.. وإنهم ما استعظموا ما هم فيه من قوة إلا عن جهل بقدرة اللّه، بل وعن جهل بقدرة مخلوقات اللّه، التي إذا وضعوا أنفسهم إزاءها كانوا أشبه بالذرّ أو النمل تحت سفح جبل شامخ..!
قوله تعالى :« وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِي ءُ قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ » هو تعقيب على قوله تعالى :« لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ».
. وذلك أنه إذا كان أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقائق التي تكشف لهم عن قدرة اللّه سبحانه وتعالى، وقوة سلطانه القائم على هذا الوجود ـ فإن بعضا من الناس ـ وهم أقلهم ـ يعلم من جلال اللّه، وعظمته، وقدرته، ما يملأ القلب هدى وإيمانا.. ومن هنا يختلف الناس، إيمانا وكفرا، وهدى وضلالا، وإحسانا وإساءة. وإنه كما لا يستوى الأعمى والبصير، كذلك لا يستوى الذين آمنوا وعملوا الصالحات، والذين كفروا وعملوا السيئات.. إن الاختلاف بينهما واضح لا يحتاج إلى بيان..


الصفحة التالية
Icon