ج ١٣، ص : ١١٠
فقوله تعالى :« خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ » ـ هو ـ وإن لم يكن مما نطق به القوم مقالا، فقد نطقوا به حالا والتزاما.. فإن إقرارهم بأن اللّه هو الذي خلق السموات والأرض، يقضى بأن يكون للّه العزة المطلقة، والعلم الشامل.
قوله تعالى :« الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » هو إلفات لهؤلاء المشركين، وهم فى موقف الاعتراف الملجئ لهم، إلى القول بأن اللّه هو الذي خلق السموات والأرض ـ إلفات لهم إلى أن اللّه الذي خلق السموات والأرض، هو اللّه الذي جعل لهم هذه الأرض مهدا، أي موطنا ممهدا، كأنه المهد الذي يهيأ للوليد ساعة يولد، حيث يقوم على هذا المهد من يرعى هذا الوليد، ويسهر على راحته. فهذه الأرض هى المهد الذي يحتوى الناس، والذي تحفه عناية اللّه ورعايته، بما يمدهم به ـ سبحانه ـ من نعمه، وما يفيض عليهم من فضله، وأنه لو لا هذه الأمداد لم يكن للناس حياة..
وفى قوله تعالى :« وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » ـ إشارة إلى بعض هذه النعم التي أنعم اللّه سبحانه بها على الناس، وهم فى هذا المهاد الممهّد..
فمن هذه النعم، تلك السبل، وهذه المسالك التي فى البر وفى البحر، والتي بها يعرفون وجوه الأرض، وينتقلون من مكان إلى مكان دون أن يضلوا..
فهم يضربون فى كل وجه من وجوه الأرض، ثم يعودون إلى مواطنهم، كما تعود الطير آخر النهار إلى أعشاشها..
قوله تعالى :« وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ ».
أي ومن نعم اللّه العزيز العليم، هذا الماء الذي ينزله من السماء بقدر


الصفحة التالية
Icon