ج ١٣، ص : ١١٣
«وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ » (٣٢ : إبراهيم) أي ذللها لتجرى بسلطانه لا بسلطانكم عليها.. كما يشير إليه قوله تعالى :« ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ » أي ما كنا قادرين على قيادة هذه المخلوقات، التي هى أقوى قوة منا، لو لا أن سخرها اللّه سبحانه وتعالى لنا، وملّكنا أمرها، والتصرف فيها..
فاللام فى قوله تعالى :« لِتَسْتَوُوا » هى لام التعليل الكاشفة عن العلة التي من أجلها سخر اللّه هذه المخلوقات.. فقد سخرها سبحانه ليستوى الإنسان على ظهورها، ويملك تصريفها حيث يشاء..
وفى العطف بثم فى قوله تعالى :« ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ » ـ إشارة إلى أن ذكر هذه النعمة، إنما يكون على أتمه وأكمله، حين يكون الإنسان متلبسا بها، معايشا لها، مستظلا بظلها، طاعما من ثمرها..
عندئذ يكون إحساسه بهذه النعمة كاملا، ويكون ذكر المنعم بها قائما على شعور مدرك، يقدّر هذه النعمة، ومالها من أثر بالغ فى الحال التي هو فيها مع هذه النعمة، فيجد لذلك قلبا منشرحا، ولسانا رطبا طلقا، يسبح بحمد اللّه، ويشكر له.. ولهذا جاء العطف بالحرف « ثم » الذي يفيد التراخي، والذي يشير إلى أن الإنسان إذا غفل عن ذكر اللّه، والنعمة غائبة عنه، فإنه لا ينبغى أن يغفل والنعمة حاضرة بين يديه، يعيش فيها وينعم بها..
قوله تعالى :« وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ».
معطوف على قوله تعالى :« وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ».
. فهو من مقول القول.. أي وتقولوا.. إنا إلى ربنا لمنقلبون.. أي راجعون إليه، بعد رحلتنا فى هذه الحياة الدنيا..