ج ١٣، ص : ١٥٣
الألوهية.. بهذا النسب الذي ينسبونهم به إلى اللّه.. وهذا نظر فاسد.. فإنه مهما يكن مقام المخلوق فى المخلوقات، فإنه عبد من عباد اللّه، وخلق من خلقه، يعبد اللّه ويسبح بحمده، شأنه فى هذا شأن كل مخلوق للّه.. « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً » (١٧٢ ـ ١٧٣ : النساء).
فهذا هو المسيح ـ على ما يرى الناس من عجيب مولده ـ وهؤلاء هم الملائكة ـ على ما يرى الناس من عظمة خلقهم، وقربهم من ربهم ـ إنهم جميعا عبيد للّه :« لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ » (٦ : التحريم)..
فكيف يعبد العبد مع السيد، ويؤلّه المخلوق مع الخالق! وقوله تعالى :« وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ » ـ أي أنه لو شاء اللّه لجعل الناس على صورة الملائكة، خلقا وتكوينا، ولأقامهم على خلافة الأرض ملائكة لا بشرا.. فإن الذي خلق الملائكة جندا فى السماء قادر على أن يخلق ملائكة ليكونوا خلفاء فى الأرض.. وفى هذا تذكير للناس بهذه الخلافة التي لهم على هذه الأرض.. وأن اللّه سبحانه وتعالى قد جعلها للناس دون الملائكة الذي طمعوا فيها، ورأوا أنهم أحق من البشر بها، كما يقول اللّه سبحانه وتعالى :« وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ » (٣٠ : البقرة) وفى هذا ما يرى منه هؤلاء المشركون الذين يعبدون الملائكة أنهم إنما يعبدون خلقا مثلهم، أرادوا مرّة أن يكون لهم ما للإنسان من هذا السلطان الذي له فى هذه الأرض..
فكيف يجوز فى عقل عاقل أن يعبد الإنسان من كان يطمع فى أن