ج ١٣، ص : ١٥٦
أي أنه لما جاء عيسى إلى بنى إسرائيل بالآيات البينات، بما أجرى اللّه سبحانه وتعالى على يديه من معجزات، وبما أجرى على لسانه من الكلم الطيب الحكيم، الذي يشفى سقم العقول، وآفات القلوب ـ لما جاء إلى بنى إسرائيل « قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ » أي أن هذا الذي جئتكم به من آيات بينات، هو مما أمرنى اللّه سبحانه وتعالى أن أحمله إليكم من عنده لأطبّ لكم به من عللكم وأدوائكم العقيلة والروحية والجسدية.. « وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ » ـ أي ولأكشف لكم عن مواقع الحق فيما اختلفتم فيه من التوراة، وأحكامها.. وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى فى آية أخرى على لسان المسيح :« وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ » (٥٠ : آل عمران).
فالمسيح لم يجىء إلى بنى إسرائيل داعيا لهم أن يعبدوه من دون اللّه، كما ذهب إلى ذلك أهل الضلال ممن عبدوه، وجعلوه إلها.. وفى هذا يقول اللّه تعالى :« وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » (١١٦ ـ ١١٧ : المائدة).
قوله تعالى :«فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ » أي أنه قد وقع الخلاف بين بنى إسرائيل فى شأن المسيح، وفى مفهوم