ج ١٣، ص : ١٨٥
وسؤال آخر.. وهو : كيف خصصت هذه الليلة بأنها يفرق فيها كل أمر حكيم ؟ وهل يعنى هذا أنها الليلة التي يقضى فيها اللّه سبحانه وتعالى بما يقضى، ثم لا يكون له سبحانه قضاء فى غيرها ؟ وكيف وهو سبحانه يقول :« كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ؟ » (٢٩ : الرحمن).
والجواب على هذا ـ واللّه أعلم ـ أن هذه الليلة، كما قلنا، خاصة بالعالم الأرضى، وعلى هذا، فإن ما يقضى به فى هذه الليلة من عند اللّه يكون خاصا بهذا العالم، وبالمخلوقات، والكائنات الموجودة فيه.. وهذا يعنى أن مقدرات ما يجرى على هذا العالم الأرضى فى مدة عام مقبل يفرق، ويقضى به فى هذه الليلة إلى مثلها فى العام القادم.. وهذا الذي يقضى وإن كان قد قضى به أزلا، فإن القضاء به فى تلك الليلة معناه نقله من اللوح المحفوظ إلى جند اللّه من الملائكة الموكلين بإنفاذ ما قضى اللّه به..
وقد كان مما قضى اللّه سبحانه وتعالى فى تلك الليلة نزول القرآن، وبعثة الرسول الكريم، وذلك فى عام البعثة النبوية.. ولهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك :« إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ »، مشيرا إلى أنه مما قضى اللّه به فى عباده أن يبعث فى هؤلاء الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آيات اللّه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.. وذلك ليقيم الحجة على عباده، وليأخذهم بذنوبهم إذا هم عصوا رسله وردوا الهدى الذي يحملونه من اللّه إليهم.. كما يقول سبحانه :« وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا » (١٥ : الإسراء) وقوله تعالى :« رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ».
. تعليل لبيان الحكمة التي من أجلها يرسل اللّه سبحانه وتعالى الرسل إلى عباده.. فهو سبحانه إنما يرسلهم رحمة منه، وفضلا وإحسانا.. وإلا فإن مع كل إنسان رسولا يدعوه إلى