ج ١٣، ص : ٢٢٦
وقوله تعالى :« فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ » ـ هو بيان لهذا الويل، الذي توعد اللّه سبحانه وتعالى به كل أفاك أثيم، ذلك الذي يسمع آيات اللّه تتلى عليه، ثم يلقاها متكرها مستكبرا..
فالذى يساق إلى هذا الأفاك الأثيم من بشريات فى يوم القيامة، هو العذاب الأليم.. فهذا هو النعيم الذي يبشّر به، ويزفّ إليه..! فكيف إذا انتقل من هذا النعيم الجهنمّى إلى العذاب الموعود به ؟.. وهذا أسلوب من الأساليب البلاغية التي تكشف عن جسامة الأمر، وفداحة الخطب، وذلك يوصفه بغير صفته.
قوله تعالى :« وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ».
هو معطوف على تلك الأوصاف التي وصف بها الأفاك الأثيم فى الآية السابقة.. فهو لا يسمع آيات اللّه، ولا يعقلها، ثم إنه إذا سمع شيئا من آيات اللّه ـ عرضا ـ ووقع له منها بعض العلم ـ عفوا، من غير قصد ـ لم ينتفع بهذا العلم، بل يتخذ منه مادة للسخرية والاستهزاء.. لأنه لم يكن حين استمع لآيات اللّه يقصد استماعا، ولا يبغى علما.. ومن هنا لم يكن لما وقع له من علم، ثمر ينتفع به، أو خير يرجى منه.. بل لقد فتح له هذا العلم طريقا جديدا من طرق الضلال التي يسلكها..
وفى قوله تعالى :« أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » بضمير الجماعة العائد على المفرد ـ فى هذا ما يشير إلى أن استهزاء المستهزئ، وسخرية الساخر بآيات اللّه، لم تكن تتحق صورتها، إلا بمشاركة ممن يستمع له، ويجرى معه فى استهزائه وسخريته، سواء أكان ذلك بمجرد الاستماع والاستحسان، أو بتجاذب حبل الحديث معه، ومدّه بمدد جديد من السخرية والاستهزاء..


الصفحة التالية
Icon