ج ١٣، ص : ٢٣٤
يصلحون فيها أنفسهم، ويصححون عقيدتهم.. ثم إنه ـ سبحانه ـ بعد أن أفسح لهم المقام فى هذه الحياة الدنيا، صرف عنهم الدواعي التي تشغلهم عن الاستماع إلى آيات اللّه التي تتلى عليهم، أو تحول بينهم وبين النظر فيها، فدعا اللّه سبحانه وتعالى الذين آمنوا، أن يغفروا لهم، وألا يدخلوا معهم فى جدل..
وهذا كله دليل على مزيد من الفضل والإحسان إلى هؤلاء القوم.. فإذا لم يستقبلوا هذا الفضل وذلك الإحسان بالإقبال على اللّه، والاستجابة لما يدعوهم سبحانه وتعالى إليه، من هدى ـ لم يكن لهم بعد هذا إلا العقاب الأليم..
وأيام اللّه، التي لا يرجوها هؤلاء المشركون ولا يتوقعونها، هى الأيام الواقعة فى الحياة الآخرة، والمراد بها الحياة الآخرة، ذاتها، وإنما عبّر عنها بالأيام، لأن الأيام دلالة على وحدة من وحدات الزمن فى الحياة الدنيا، وهناك فى الحياة الآخرة أيام ذات دلالة على الزمن، وإن اختلفت تلك الأيام عن أيام الدنيا فى مقدارها.. وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى فى قوله عن أهل الجنة :« وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا » (٦٢ : مريم).. وفى إضافة أيام الآخرة إلى اللّه سبحانه وتعالى، مع أن الأيام كلها هى أيام اللّه ـ إشارة إلى شرف هذه الأيام، وإلى عظم قدرها، وأن أيام الحياة الدنيا إذا ووزنت بها لا تساوى شيئا، كما يقول اللّه سبحانه :« وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ » (٦٤ : العنكبوت).. وكما يقول سبحانه :« وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ » (٢٦ : الرعد).
فللأيام أقدار وأوزان عند اللّه، كأقدار الناس وأوزانهم، فالناس كلّهم عباد اللّه، ولكن اللّه سبحانه يضيف إلى ذاته أهل ودّه، ومحبته، تكريما لهم وتشريفا.. فيقول سبحانه :« فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ » (١٧ ـ ١٨ : الزمر)