ج ١٣، ص : ٢٧٥
وثانيا : المراد بالإنسان فى قوله تعالى :« وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً » أهو مطلق الإنسان أم هو إنسان بالذات ؟..
أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت فى أبى بكر رضى اللّه عنه، وأنه هو الإنسان المقصود هنا. ومستندهم فى هذا، أن أبا بكر رضى اللّه عنه، هو الذي آمن، وآمن معه والداه، أول الدعوة الإسلامية، وأنه ـ رضى اللّه عنه ـ كان فى أول الدعوة الإسلامية فى الأربعين من عمره، إذ كان ـ كما يقولون ـ أصغر سنّا من النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بنحو عامين..
والذي نراه ـ ونرجو أن يكون صوابا ـ هو أن المراد بالإنسان، هو مطلق هذا الإنسان، الذي وصاه اللّه بوالديه إحسانا.. فهذه الوصاة بالإحسان إلى الوالدين موجهة إلى كل إنسان.. ولكن كما يتردد بعض الناس فى قبول دعوة إلى اللّه إلى الإيمان به، أو يرفض هذه الدعوة ـ كذلك يتردد بعض الناس فى امتثال أمر اللّه بالإحسان إلى الوالدين، أو لا يستجيب لهذه الدعوة أبدا.. وكما يتوب اللّه سبحانه وتعالى على العصاة ويتجاوز عن سيئاتهم، ويقبلهم فى أهل الإيمان والإحسان، كذلك يقبل اللّه سبحانه من يراجع نفسه، ويقبل بالإحسان إلى والديه بعد أن فرّط وقصر..
ففى قوله تعالى :« حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ... » فى هذا ما يشير إلى شىء من التقصير فى حق الوالدين، وإلى مطاولة الزمن وعدم المبادرة بالإحسان إليهما منذ مطلع الصبا والشباب، حتى امتدّ هذا التفريط والتقصير إلى أن بلغ هذا الإنسان أشده، وبلغ أربعين سنة، حيث استوفى غاية ما يمكن أن