ج ١٣، ص : ٣١٦
ذلك أن العالم اليوم إذا أظلّه صباح يوم أو مساؤه بغير حرب معلقة أو سافرة، كانت الحرب الخفية مشبوبة الأوار، فى صدور تغلى مراجلها بالعداوة والبغضاء، وفى نفوس تتحرق مشاعرها شهوة إلى إراقة الدماء، وإزهاق الأرواح، وإبادة الأمم والشعوب!.
قوله تعالى :« ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ » ـ الإشارة هنا إلى ما يطالب به المؤمنون من لقاء العدو فى ميدان القتال، ومن توجيه الضربات القاتلة له، الفاضية على كل كيد يكيد به للإسلام والمسلمين، ولو كان فى ذلك تعريض كثير من المؤمنين للاستشهاد فى سبيل اللّه.. فذلك ابتلاء من اللّه للمؤمنين، وإنزالهم هذا المنزل الكريم الذي يلبسون فيه ثوب المجاهدين فى سبيل اللّه، الواقفين فيه موقف جنود اللّه، المدافعين عن حرماته.. ولو لا هذا الصدام بينهم وبين أهل الكفر والضلال، لما وقفوا هذا الموقف الكريم، ولما نالوا هذا الشرف العظيم..
فهذه الحرب بين المؤمنين والكافرين، هى لحساب المؤمنين قبل كل شىء، إذ هى التي أنزلتهم هذه المنزلة العالية، وأحلّتهم هذا المحل الكريم..
وما كان اللّه سبحانه وتعالى بحاجة إلى جنود يجاهدون فى سبيله، ويقفون فى وجه هؤلاء الكافرين المحادّين له سبحانه.. إذ لو شاء اللّه سبحانه وتعالى « لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ » أي لسلط عليهم آفة مهلكة من الآفات، أو لما جاء بهم إلى هذه الحياة الدنيا، أو لهداهم إلى الحق، وكانوا فى المؤمنين..
ولكن هكذا شاءت مشيئة اللّه سبحانه.. فجعل الشرّ فى طريق الخير، وجعل الكافرين فى وجه المؤمنين، وذلك ليتيح للمؤمنين فرصة العمل لما يرفع منزلتهم عند اللّه، ويعلى قدرهم، وينزلهم منازل رضوانه..