ج ١٣، ص : ٣٣٠
وكيف يكونان متماثلين ؟ أمثل الجنة التي وعد المتقون، ينعمون فيها بما يشاءون كمثل النار التي يلقى فيها المجرمون، يطعمون من جمرها، ويشربون من لهيبها ؟
ويلاحظ فى الآية الكريمة أن عرض المقابلة بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، لم يكن متطابقا، فقد جاءت الجنة مقابلة لأصحاب النار هكذا :« مثل الجنة التي وعد المتقون.. كمن هو خالد فى النار ؟ ولو جاءت المقابلة على وجه التطابق، لجاء النظم هكذا : أمثل الجنّة التي وعد المتقون.. كمثل النار التي وعد المكذّبون المجرمون ؟ أو هكذا : أمثل أصحاب الجنة التي ينعمون بطيباتها.. كمثل أصحاب النار الذين يتقلبون على جمرها ؟
فما وجه هذا ؟ وما سرّه ؟
الجواب ـ واللّه أعلم ـ من وجوه :
فأولا : ليس المهمّ فى بلاغة المقابلة بين الأمور ـ لكى تتضح وجوه الخلاف بينها، ومن ثمّ تتضح سمة كل مقابل فى وجه مقابله ـ ليس المهم فى بلاغة المقابلة هنا، هو التطابق بين الصورتين، الموجبة والسالبة، كما فى العمل « الفتوغرافى »
.
. وإنما الصميم من البلاغة، هو أن يقع التطابق فيما وراء الغلاف الخارجي، أو السطح الظاهري للأشياء.. بحيث يبلغ أعماقها، وينفذ إلى جوهرها..
وثانيا : هنا فى هذه الصورة التطابقية التي جاءت بها الآية الكريمة، لأصحاب الجنّة وأصحاب النار ـ نرى صورتين متطابقتين أتم التطابق وأكمله وأروعه..
ففى صورة النعيم، نرى جنّة! وهذه الجنة موصوفة بصفتين :
أولاهما : أنها للمتقين الذين وعدهم اللّه إياها..
وثانيهما : أن فيها أنهارا من ماء غير آسن، وأنهارا من لبن لم يتغير


الصفحة التالية
Icon