ج ١٣، ص : ٣٤٠
والسؤال هنا : ماذا يراد بالعلم المطلوب من النبي أن يعلمه، من أنه لا إله إلا اللّه ؟ وهل كان النبي إلى نزول هذه الآية الكريمة، لا يعرف هذه الحقيقة ؟
إن النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ كان على التوحيد الخالص للّه قبل أن يبعث، فكيف يراد منه أن يعرف هذه الحقيقة بعد أن بعث ؟ وهل الخلاف بينه وبين قومه إلا على عبادة اللّه وحده، دون ما يعبدون من آلهة ؟.
فما مفهوم هذا الأمر بالعلم ؟
الجواب ـ واللّه أعلم ـ من وجوه :
أولا : أن دعوة النبي من اللّه سبحانه وتعالى للعلم بأن لا إله إلا اللّه ـ هو نداء قرب وأنس للنبى من ربه، يلقى إليه فيه بالوصف الذي ينبغى أن يعلمه من ربه، فيحققه، ويؤكده..
وثانيا : العلم المطلوب من النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ ليس هو العلم المجرد، وإن كان مستيقنا، وإنما هو العلم الذي يعطى ثمرا حاضرا.. والمراد بدعوة النبي هنا بأن يعلم أن لا إله إلا اللّه ـ هو ألا يأسى على هؤلاء المشركين والمنافقين، وألا يحفل بهم وبكثرتهم وقوتهم، فإن اللّه الذي لا إله إلا هو، معينه، ومؤيده، وناصره على كل عدو له، وللدين الذي جاء به.. إنه سبحانه صاحب الأمر، ومالك الملك..
وثالثا : إذا كان مطلوبا من النبي أن يذكر ربه، وأن يجدد له كل حين بهذا الذكر ولاء لربه، وخضوعا لجلاله وقدرته ـ إذا كان ذلك مطلوبا من النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ وهو الذي تنام عينه ولا ينام قلبه عن ذكر ربه ـ فإن غير النبي أولى بأن يقيم على نفسه من هذا الأمر حارسا يحرسه من أهواء نفسه، ووساوس شيطانه، حتى لا يلهو عن ذكر اللّه، ولا يقطع الصلة بينه وبين ربه، فتمتد غربته عن ربّه ساعات، أو أياما، أو شهورا، أو سنين!!.