ج ١٣، ص : ٣٤٢
وإبراهيم أبو الأنبياء، عليه السلام، يقول عن نفسه :« وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ » (٨٢ : الشعراء)..
فكل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون.. والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أبناء آدم.. وأخطاؤهم هى أخطاء على حدود الكمال المطلق، الذي لا تطوله يد بشر! وثانيا : أن فى دعوة النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ إلى الاستغفار لذنبه، إشارة إلى أن الإنسان مهما كان أمره من الإيمان والتقوى، لا يبلغ أبدا غاية الكمال المطلق.. فإنه كلما حثّ الخطا إلى هذا الكمال ارتفع صعدا فى منازله، ووجد منازل لا تنتهى.. وذكر اللّه، واستغفاره، يبعت فى شعور الذاكر المستغفر، أنه بين يدى اللّه الذي لا إله إلا هو، وأنه فى حضرة من يعلم السرّ وأخفى، فتأخذه لذلك خشية ورهبة من كل زلة زلها، أو هفوة وقعت منه.. فلا يجد غير اللّه ملجأ يلجأ إليه، ليغفر له ما كان منه.. « وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ».
(١٣٥ : آل عمران).
فإذا كان النبي مطالبا بأن يستغفر لذنبه، فكيف حالنا نحن ؟ وكيف بما نحمل من أوزار لا تستقلّ بحملها الجبال ؟ ثم كيف بأولئك الذين يحسبون ـ إن صدقا وإن خداعا ـ أنهم على هدى، وتقوى من اللّه.. كيف بهم يخلون أنفسهم من التكاليف الشرعية، بدعوى يدّعونها لأنفسهم، أو يدّعيها لهم غيرهم ـ بأنهم من الواصلين.. أي الذين وصلوا إلى غاية الكمال، وتحرروا من القيود والحدود، وفنوا فى المطلق ؟ إن من يفنى فى المطلق لا يكون إنسانا، ولا ينبغى أن يسكن إلى الناس، وأن يسكن إليه الناس..!
وقوله تعالى :« وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ » معطوف على قوله تعالى « لِذَنْبِكَ » أي استغفر لذنبك، ولذنب المؤمنين والمؤمنات.. وأعيد حرف الجر « اللام »


الصفحة التالية
Icon