ج ١٣، ص : ٤٤٨
تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ »
..
إن من أفتك الآفات التي تغتال مشاعر الإخاء والمودة بين المجتمعات، استخفاف جماعة بجماعة، والنظر إليها نظرا ساخرا، فإن ذلك من شأنه أن يغرى هؤلاء المستخفّين المستهزئين بمن استخفوا بهم، ونظروا إليهم باستصغار واستهزاء، ثم هو من جهة أخرى يحمل الجماعة المستخفّ بها، المستصغر لشأنها ـ على أن تدافع عن نفسها، وأن تردّ هذه السخرية، وهذا الاستهزاء بالسخرية والاستهزاء، ممن سخروا منهم، وهزءوا بهم.. وهذا أول قدح لشرارة الحرب.. فإن الحرب أولها الكلام، كما يقولون..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هؤلاء المستهزئين الساخرين قد يكونون أقل عند اللّه شأنا، من هؤلاء الذين اتخذوهم غرضا للهزء والسخرية..
فلا ينبغى الانخداع بالظاهر، ووزن الأمور عليها.. فكيف يكون الحال لو أن هؤلاء المستهزأ بهم كانوا عند اللّه أفضل وأكرم من هؤلاء المستهزئين ؟
ألا يخافون أن ينتقم منهم اللّه لأوليائه ؟ ألا يستحون أن يستخفّوا بمن هم أثقل منهم ميزانا، وأكرم منهم معدنا ؟ إن هذا أمر لو لم يؤثمه الدين، لأنكره العقل، ورفضته المروءة، وجفاه المنطق، ولفظه العدل والإنصاف.
وفى جمع الرجال والنساء، إشارة إلى أن هذه السخرية إنما تكون على غايتها من الشناعة والسوء، حين تكون فى صورة جماعية، إذ أنها تشد أعدادا كثيرة من الناس إلى هذا الشر، وتوقعهم فى هذا البلاء.
وقوله تعالى :« وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ »..
اللّمز هو الغمز بالمعايب، والتلويح بها..