ج ١٣، ص : ٤٥٦
ويشتغلون بالرعي، ويتتبعون مواقع الماء والكلأ.. وقد طبعتهم هذه الحياة المتبدّية، على الجفاء والغلظة، ومن هنا لم يجد الإسلام طريقه إليهم إلا وسط هذه الأحراش النابتة فى صدورهم، من النّفار والوحشة..
وفى هذا يقول اللّه تعالى :« الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ » (٩٧ : التوبة).. وفى المأثور :« من بدا جفا »..
وقوله تعالى :« قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ».
. هو تصحيح لما يفهمه الأعراب من الإيمان، ومن حقائقه التي ضمّ عليها، فهو ليس كلمة تقال، وإنما هو عقيدة، وعمل يقوم فى ظل هذه العقيدة وهدبها.. فقول الأعراب « آمنا » بمجرد تلفظهم بشهادة « أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه » هو قول غير صحيح.. إن هذا إسلام، لا إيمان..
وهم بالتلفظ بالشهادة، وإقرارهم بالإسلام، إنما يدخلون فى المسلمين، وتجرى عليهم أحكامهم، وتعصم بهذا دماؤهم، وأموالهم، كما فى الحديث الشريف :« أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه، فإن قالوها عصموا منّى دماءهم وأموالهم، وحسابهم على اللّه »..
فقوله تعالى :« قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا » هو ردّ على قول الأعراب آمنا..
وقوله تعالى :« وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا » هو بيان للقول الحق الذي يقال فى هذا المقام.. فهم مسلمون، غير مؤمنين..
وقوله تعالى :« وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ » هو بيان للعلة التي من أجلها لم يكن الأعراب مؤمنين، بل كانوا مجرد مسلمين.. لأن الإيمان لم يدخل فى قلوبهم بعد، وأنه ما زال مجرد كلمة تجرى على ألسنتهم..