ج ١٣، ص : ٩٨
وثانيتهما : الدلالة على القرآن الكريم، فهو كلام اللّه.. وكلامه سبحانه وتعالى روح منه. كما يقول سبحانه وتعالى عن مريم :« وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا » (١٢ : التحريم).. ثم يقول سبحانه عن هذه النفخة :« إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ » (١٧١ : النساء) فالنفخة التي تلقتها مريم من روح اللّه، هى الكلمة التي ألقاها اللّه سبحانه وتعالى إليها..
وهذا يعنى أن القرآن روح، من روح اللّه، وأن الذي حمله إلى الرسول روح من روح اللّه كذلك.. فهو روح، يحمله روح.. وهذا يعنى من جهة أخرى، أن القرآن الكريم حياة وروح تلبس النفوس المستعدة لاستقبالها، كما تلبس الحياة والأرواح الأجساد، بعد أن يتم تكوينها، وتصبح مهيأة لاستقبالها.. وكما أن كل جسد يلبس من الأرواح بقدر ما هو مستعدّ له، كذلك النفوس، يفاض عليها من روح القرآن، على قدر ما هى مستعدة له، ومهيأة لقبوله..
وقوله تعالى :« ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » ـ هو بيان لحال النبي قبل أن يتلقى رسالة السماء، وما تحمل إليه من كلمات ربه.. وأنه ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ لم يكن قبل هذا التلقي يدرى شيئا عن هذا الكتاب، أي القرآن الذي تلقاه من ربه.. كما يقول اللّه سبحانه :« نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ » (٣ : يوسف) وفى قوله تعالى :« وَلَا الْإِيمانُ » ـ ما يسأل عنه، وهو : ما الإيمان الذي كان لا يعرفه النبي قبل النبوة ؟ وعلى أي دين كان يدين ؟
ولا شك أن الرسول ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ كان على دين الفطرة