ج ١٤، ص : ١٠٣٧
طريقهما، ووقفتا منهما موقف العدوّ المحادّ لهما.. « فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً » أي لم يكن لهما من النبيين الكريمين شافع يردّ عنهما بأس اللّه، فأهلكهما للّه فى الدنيا مع القوم الظالمين، إحداهن بالغرق، والأخرى برجوم السماء.. أما فى الآخرة، فالنار مثواهما مع أهل الكفر والضلال :
« وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ »..
وعلى عكس هذا، ما كان من امرأة فرعون.. حيث ضمّها إليه رجل كان من أشد عباد اللّه كفرا، وأبعدهم فى الضلال مذهبا.. ومع هذا فقد استنارت بصيرتها بنور الهدى، فآمنت باللّه، وأبصرت طريقها إليه وسط هذا الظلام الكثيف المتراكم.. وبهذا نجت بنفسها من هذا المصير الذي صار إليه فرعون والملأ الذين معه.. « وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ».
. وقد استجاب اللّه سبحانه وتعالى لها، وأدخلها فى عباده المؤمنين، وأبقى لها ذكرا خالدا فى المكرمين من عباده..
وهذه مريم ابنة عمران، التي نذرتها أمها للخدمة فى بيت اللّه، والعمل فى طاعته.. إنها نبتة طيبة، فى منبت طيب.. قد قام أمرها على الطريق المستقيم، وهى فى بطن أمها، فلما استقبلت الحياة احتواها بيت اللّه، وضمها إليه نبى من أنبياء اللّه، هو زكريا عليه السلام.. وهكذا كانت عناية اللّه تحفّ بها، وألطافه تتوالى عليها.. حتى كانت الصلاح، والتقوى، والطهر، وبهذا كانت الأنثى التي استخلصتها الإنسانية كلها، لتلقّى كلمة اللّه، ولتلد بنفخة من روح القدس، مولودا يتخلق فى كيانها من غير أن يشاركها فيه رجل.. وفى هذا يقول سبحانه :« وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ » (١٢ : التحريم)