ج ١٤، ص : ٥٨٩
حافظ لما يحمل من رسالات اللّه سبحانه وتعالى إلى رسله، كما يقول سبحانه :
« إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » (١٩ ـ ٢١ : التكوير)..
ومن صفات جبريل كذلك أنه « ذو مرّة » أي جلد وصبر، وقدرة على حمل هذه الأمانة التي كلّف بحملها.. وإنها لأمانة ثقيلة أبت السماء والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها.
وقوله تعالى :« فاستوى » ـ الفاء هنا للتفريع.. أي أن جبريل بهذه الصفات التي أقام اللّه سبحانه وتعالى خلقه عليها، قد « استوى » أي استوفى الصفات التي تؤهله لهذه الوظيفة، والتي تمكنه من القيام بها على الوجه الأكمل..
وقوله تعالى :« وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى » ـ هو معطوف على ما قبله، وهو صفة من صفات جبريل، عليه السلام، تشير إلى العالم العلوي، الذي يعيش فيه.. أي أنه ملك سماوى، وليس من هذا العالم الأرضى..
وهذا الذي ذهبنا إليه، فى تأويل هذه الآيات الثلاث، أولى ـ فى رأينا ـ مما ذهب إليه المفسرون من جعل قوله تعالى :« وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى » جملة حالية، من الفاعل فى قوله تعالى :« فاستوى » بمعنى « فاستوى » أي جبريل حالة كونه « بِالْأُفُقِ الْأَعْلى » أي أنه عرض نفسه وهو بالأفق الأعلى، فى صورته التي خلقه اللّه عليها، لا فى تلك الصور التي يمكن أن يتشكل فيها، حسب مقتضيات الأحوال، كأن يكون فى صورة بشرية، من تلك الصور التي كان يلقى بها النبي فى بعض الأحيان..
ويذهب المفسرون فى هذا إلى أن تلك الصورة الذاتية لجبريل، إنما كانت له عند ما جاء إلى النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ فى مفتتح الرسالة فى غار « ثور » الذي كان يتعبد فيه، قبل البعثة وأن جبريل ـ عليه السلام ـ لقيه