ج ١٤، ص : ٥٩١
مستوفيا المعنى المراد، ولما جعلوا الآية التي بعدها تتمة لها، وإنما هى كلام مستأنف، يخبر به عن المكان الذي يكون فيه جبريل، وهو الأفق الأعلى..
قوله تعالى :« ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى »..
الحديث هنا عن جبريل ـ عليه السلام ـ وهو يحمل كلمات اللّه، إلى رسول اللّه.. إنه « دنا » أي قرب من النبي، « فتدلّى » أي قرب أكثر فأكثر، شيئا فشيئا، فى لطف، ورفق.. فهو إذ يأخذ طريقه إلى النبي، ينطلق انطلاقا بكل قوته، حتى إذا دنا من النبىّ، تخفّف من سرعته شيئا فشيئا، حتى يلتقى به، ويكون منه « قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ».
. فيصافحه فى رفق ولطف، شأن الطائر حين يهوى من الجو إلى الأرض فى سرعة خاطفة، فإذا دنا من الأرض خفف من سرعته شيئا فشيئا حتى يلامس سطحها..
وقاب القوس : المسافة ما بين مقبض القوس ووتره، وذلك حين يشدّ القوس لإطلاق السهام منه، فيكون أشبه بنصف دائرة..
وهذا ـ واللّه أعلم ـ هو السر فى تشبيه التقاء جبريل بالنبي، حيث يكون كل منهما أشبه بقوس مشدود مهيّا للرماية، يقف كل منهما فى مواجهة صاحبه، مشدودا إليه، حتى يتماسا عند نهاية القاب، الذي يبدأ من مركز الدائرة إلى محيطها.
ومن جهة أخرى.. فإن القوس، فى حال شدّة، يكون متوترا واقعا تحت قوة مؤثرة، تشده شداّ عنيفا.. وكذلك شأن كلّ من جبريل،


الصفحة التالية
Icon