ج ١٤، ص : ٥٩٤
قوله تعالى :« أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى ».
المماراة، المجادلة، والبهت، والتكذيب.
والآية تحمل استفهاما إنكاريّا، ينكر على المشركين مماراتهم للنبى، وجدلهم له، فيما رأى من آيات ربه مما لم يروه.. إنه شاهد وهم غائبون، وهو مبصر، وهم لا يبصرون.. فكيف يجادل الغائب فيما يخبر به الشاهد ؟ وكيف يكون للأعمى حجة يحاجّ بها ما يراه المبصر ؟
[المعراج.. وما يقال فيه ] قوله تعالى :« وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ».
هو تعقيب على مماراة المشركين للنبى وتكذيبهم له، لما يتلوه عليهم، ويقول لهم عنه، إنه كلمات اللّه، وآياته، تلقاها وحيا من ربه، على لسان أمين الوحى، ورسول السماء، جبريل، عليه السلام.
وإنهم إذ يمارون فى أن تتدلىّ ملائكة السماء إلى الأرض، وأن تخالط إنسانا من الناس، وتلقى إليه بكلمات اللّه ـ إنهم إذ يمارون فى هذا ويستكثرونه، ألا فليسمعوا ما هو أغرب وأعجب!! إن هذا النبي الذي يستكثرون عليه أن يكون على صلة بالسماء، وأن يتنزل عليه ملك من عند اللّه ـ هذا النبي هو الذي قد دعى إلى السماء، وهو الذي أصعد إلى الملأ الأعلى، فى موكب عظيم، تحفّ به الملائكة، ويحدو ركبه الأمين جبريل، وأنه مازال يصعد بركبه المبارك الميمون المهيب، حتى بلغ سدرة المنتهى، وهو غاية ما تنتهى إليه الطاقة البشرية، فى أعلى منازلها.
والسدرة، واحدة السدر، وهو شجر النبق، وهو من أشجار البادية، دائم الخضرة، كثير الفروع، ممتدّ الظلال.