ج ١٤، ص : ٦٠٩
ضلّ عن سبيله، ومن اهتدى.. فليس هذا العلم لمجرد العلم، بل هو علم وراءه عمل، هو مجازاة كل عامل بما عمل، وبما كشف هذا العلم عما عمل.. وهو مثل قوله تعالى :« وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » (٤ ـ ٥ : الفتح).
وفى اختلاف النظم بين قوله تعالى :« لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا »، وقوله تعالى :« وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى » والذي كان من مقتضى ظاهر النظم أن يقال : ليجزى الذين أساءوا بالسوأى، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى ـ فى هذا إشارة إلى أن مجازاة الذين أساءوا بالسوأى، ليست حتما مقضيّا فى كل حال، بل إن رحمة اللّه سبحانه وتعالى قد تنال هؤلاء المسيئين، فيعفو اللّه سبحانه وتعالى عن سيئاتهم كلها أو بعضها، كما يقول سبحانه :« وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » (٣ : الشورى).. وكما يقول جل شأنه :« وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ » (٤٥ : فاطر)..
فالمسيئون فى معرض رحمة اللّه، إن شاء رحمهم وعفا عنهم، وإن شاء أخذهم بذنوبهم، أو ببعض ذنوبهم.
وأما فى مقام الإحسان، فالأمر مختلف.. فإن المحسنين هم فى مواجهة رحمة اللّه وفى التعرض لها، من باب أولى.. وهم لهذا مجزيون بإحسانهم، بل وبمضاعفة هذا الإحسان.. فذلك مما تقضى به رحمة اللّه، ويوجبه عدله..