ج ١٤، ص : ٦١٨
ولم يقدّم موسى على إبراهيم هنا، رعاية للفاصلة، كما يقول بذلك أكثر المفسرين، ولكن كان ذلك ـ واللّه أعلم ـ لأن موسى أقرب عهدا بالمخاطبين بهذه الآيات من إبراهيم.. وذلك فى مقام البحث عن صحف هذين النبيين الكريمين، وأخذ ما فيهما من أحكام.. ففى هذا المقام يمتدّ النظر إلى أقرب الصحف، وهى صحف موسى، ثم يتجاوزها إلى صحف إبراهيم.
أما فى المقام الذي يراد به الترتيب الزمنى لهذه الصحف، فإن القرآن الكريم يضع هذا الترتيب موضع الاعتبار، فيقول سبحانه وتعالى :« إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (١٨، ١٩ : الأعلى). فالقرآن هنا يشير إلى الصحف الأولى، التي حملت رسالات السماء.. فإذا ذكر من هذه الصحف صحف إبراهيم وموسى، كانت صحف إبراهيم مقدمة فى الذكر على صحف موسى.. أما فى مقام الاتصال بها، والإفادة منها، فإن هذا يقضى بأن يدلّ أولا على ما كان العهد به أقرب.. ثم الذي هو أقدم منه عهدا.
وهكذا نرى كلمات اللّه، ناطقة بالحق، واضعة الأمور مواضعها، فى أدق وضع وأحكمه.. « وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً » (٨٢ : النساء).
قوله تعالى :«أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى فَغَشَّاها ما غَشَّى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى ».