ج ١٤، ص : ٦٣٠
ونحن إذ نخالف هذا الرأى لا نخالفه، استكثارا على النبي الكريم أن يضع اللّه سبحانه فى يده هذه المعجزة، فإن ما بيد الرسول من آيات اللّه وكلماته مالا يبلغ انشقاق القمر شيئا إزاء حرف من كلمة من كلمات اللّه.! كما لا نخالفه ونحن نعتقد بصحة هذه الأحاديث فى سندها إلى أن تصل إلى أصحاب رسول اللّه، فإننا من صحابة رسول اللّه فى مقام الأعمى بين يدى المبصر.. ولكنا إذ نخالف هذه الأخبار، فإنما نخالفها ونحن فى شك من صحة السند.. وإذا شكلنا فى السند كان المتن مجرد قول يضاف إلى آخر راو روى عنه.
وإننا نخالف هذا القول بانشقاق القمر فى عهد الرسول، لأمور :
فأولا : لم يكن الرسول الكريم معجزة متحدية، قائمة على الزمن، إلا القرآن الكريم الذي تحدّى به العرب، وأفحمهم، وأقام الحجة عليهم.
وثانيا : لو صحّ أن يكون للنبى معجزات أخرى متحدية غير القرآن، لما كان انشقاق القمر واحدة منها، لأن العرب لم يتحدوه بأن يأتيهم بمعجزة معلقة فى السماء، وإنما كان من تحدّيهم له ما حكاه القرآن عنهم فى قوله تعالى :« وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا » (٩٠ ـ ٩٢ الإسراء).
وثالثا : لو كان انشقاق القمر معجزة متحدية، لأنذرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك، ولحدّد لهم الليلة، والساعة، حتى يشهدوا ذلك، ليكون حجة عليهم.. ولكن الذي ترويه الآحاديث لا يشير إلى شىء من هذا، ولا يدل على أن قريشا قد رصدت هذه الظاهرة المتحدية. وإنما الذي يفهم من هذه الأحاديث، أن القمر قد انشق فى ليلة ما، وأن النبي وبعض الناس قد رأوه، فقال النبي عندئذ :« اشهدوا! ».