ج ١٤، ص : ٧١٧
منهم من يجتزىء من هذه المائدة بلقمة هنا، ولقمة هناك، ثم إذا به وقد رفع يده عن كل ما على المائدة، وقطع شهوته عن كل ما يشتهى منها..
وكلا الرجلين، قد أخذ حاجته، واستوفى حظه، ولم يبق له شىء يطلبه من هذه المائدة.. ومع هذا، فإن استمتاع الأول بهذا الطعام هو أضعاف لذة صاحبه، حجما، وعمقا.. دون أن يشعر أىّ منهما أنه فى حاجة إلى مزيد!.
هذا، فى لذات الدنيا، ونعيمها، وهى ـ كما قلنا ـ لذات تنقطع عند أخذ المرء حاجته منها، ثم تتحول إلى آلام إذا هو جاوز بها هذا الحد.. أما لذات النعيم فى الآخرة، فهى لذات لا تنقطع أبدا، ولا يملّها المتصل بها مادام آخذا منها.. ولكن كلّ يأخذ بقدر ما تتسع له طاقته التي تتناسب مع منزلته..
وعلى هذا، فإن أهل الجنة جميعا فى نعيم مقيم، وفى لذة دائمة مع هذا النعيم.. ولكن كلّ له من النعيم ما يشتهيه، وله من الاشتهاء ما يناسبه..!
فهم فى جنة واحدة، ولكل منهم فى هذه الجنة جنته، وما يشتهيه.. أشبه شىء بما فى الغابة من مختلف الأحياء التي تعيش فيها.. بعضها يأكل من ورقها، وبعضها يأكل من ثمرها، وبعضها يقتات من أعشابها.. وبعضها يتنقل بين أفنانها، وبعضها يأوى إلى أجحارها.. وكلها هانىء بحياته، سعيد بعيشه مع الطبيعة التي لبسته..
وكذلك الشأن فى أصحاب النار.. تتسع آلامهم وتضيق، كل حسب طبيعته التي يكون عليها، والتي هى صورة من عمله!.


الصفحة التالية
Icon