ج ١٤، ص : ٧٨٤
فضل ـ إلّا على أنه ابتلاء من اللّه، وأنه مطالب بحقّ الشكر على ما أنعم به عليه، كما يقول سبحانه على لسان سليمان عليه السلام :« هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ » (٤٠ : النمل) وأما غير المؤمن، أو المؤمن الذي فى قلبه مرض، فإن النعمة التي تقع ليده من عند اللّه، تفتح له طرقا إلى الاستعلاء والزهو، فيخيل إليه أن ذلك لمزيّة فيه، ولتفرده بصفات ليست لغيره، وأنه بهذا مالك أمر نفسه، قادر على أن يملك أكثر مما ملك، ويبلغ من الحياة والسلطان أكثر مما بلغ.. فلا يرضى بما أصاب، ولا يقنع بما حصّل، ولو ملك الدنيا جميعا..
وقوله تعالى :« وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » ـ إشارة إلى أن هذا الذي لا يضيف وجوده إلى اللّه، ولا يقف بالنعم التي يسوقها اللّه إليه فى محراب الحمد والولاء للّه ـ هو فى معرض التعرض لسخط اللّه وغضبه، وحسبه بهذا شقاء وبلاء.
قوله تعالى :« الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ».
هو بدل من قوله تعالى :« وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ».
فإن من شأن المختال المعجب بنفسه، الفخور بما فى يده، أن يضن بماله الذي لا يرى لأحد فيه حقّا، لأنه ـ كما يعتقد باطلا ـ يرى أن ذلك من كسبه، ومن معطيات تدبيره وحوله، ثم إنه لا يقف عند هذا، بل سرعان ما يتحول إلى داعية من دعاة الإمساك عن الإنفاق فى سبيل اللّه، ليقوّى بذلك موقفه، ويدعم جبهته، فإن أهل الضلال إنما يأنسون بإخوانهم، ويتقوّون بالإكثار من أمثالهم، مثلهم فى هذا كمثل الشيطان إذ ضل وغوى، فكان دعوة للغواية والضلال.


الصفحة التالية
Icon